دخل الصراع السياسي في العراق منعطف جديد بعد قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لأتباعه بالاعتصام المفتوح في مبنى مجلس النواب العراقي في ٣٠ تموز/يوليو من العام الجاري لمنع المجلس من الانعقاد وتكليف مرشح الاطار التنسيقي بتشكيل الحكومة.
المنعطف الجديد تمثل بالانتقال من الصراع بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الى أزمة قضاء دستوري يواجه الانتهاكات الجسيمة للدستور خلال مرحلة التعطيل التي امتدت من السابع من شباط/فبراير الماضي حتى انسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان في ١٢ حزيران/يونيو، والبحث عن حلول من خارج الاطر الدستورية لحل مجلس النواب والانتقال الى انتخابات مبكرة بالقانون رقم ٩ للعام ٢٠٢٠.
ورغم تمكن التيار الصدري من منع انعقاد مجلس النواب، تخلت قوى الإطار التنسيقي عن فكرة عقد الجلسة في موقع بديل، إلا أن الأزمة ما تزال في منحنى تصاعدي من دون أي مؤشر على التهدئة، بل على العكس تزداد الصورة قتامة مع تجاهل قوى الاطار للتحذيرات وعدم الاستعداد لتقديم أي تنازل في ظل أجواء تحكمها حالة انعدام الثقة، مما يجعل أية فرصة للحل من الأطراف السياسية الداخلية خيار شبه مستحيل و ذلك بسبب أن العلاقة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي وصلت الى حدود المعادلة الصفرية التي تمثل غياب تام للمشتركات بين الجانبين، ومكاسب أي طرف ستكون على حساب الطرف الآخر.
أمام هذا التحدي الأكبر الذي يشهده العراق، يمثل البحث عن طرق غير تقليدية تسهم في تحريك عجلة التهدئة المفتاح الذي يمهد لبداية جديدة قائمة على تصفير الأزمة ومن خلال طرف ضامن يتمثل ببعثة يونامي.
غطاء قانوني لدور أممي.
في شباط عام ٢٠٢١ اتخذ مجلس الأمن قراره المرقم ٢٥٧٦ الخاص بتشكيل فريق رقابة دولي على انتخابات تشرين الاول ٢٠٢١ وملحقات قانونية وسياسية أخرى يمكن توظيفها في ظل الصراع الحالي كإجراء التعديلات الدستورية وإصلاح قطاع الامن والاقتصاد في البلاد.
لم يتحدد القرار الأممي بمراقبة الانتخابات العامة في البلاد فحسب، إذ أشارت الفقرة ٤ / أ من القرار: “أن تقوم بعثة يونامي بإعطاء الأولوية لتقديم المشورة والدعم والمساعدة الى العراق بشأن تعزيز الحوار السياسي الشامل للجميع والمصالحة على المستوى الوطني”.
القرار الأممي يمنح بعثة يونامي ،التي انخرطت رئيستها جينين بلاسخارت فعلياً بحوارات مع جميع القوى السياسية، صلاحية الإشراف على حوار سياسي يعالج الصراع السياسي وبما لا يمس سيادة البلاد ولا يعده البعض تدخلاً أممياً، كون القرار صدر بطلب من جمهورية العراق.
خارطة طريق تسهم في إنهاء الصراع.
في ضوء ذلك هل يمكن واقعياً أن تقوم بعثة يونامي بتقديم الضمانات الكافية لخارطة طريق شاملة للانتخابات المبكرة، خصوصاً انها تمتلك تفويض أممي بذلك وبطلب من حكومة العراق؟.
فالتيار الصدري يطالب بإجراء انتخابات مبكرة من دون تشكيل حكومة جديدة أو التلاعب بالقانون السابق، أما الإطار التنسيقي فلا يمانع بإجراء الانتخابات ولكن بعد تشكيل الحكومة وإقرار قانون جديد للانتخابات، وهذا الموقف لا يحظى بثقة من الصدر أو القوى الوطنية الاخرى.
على هذه المواقف تتأسس المعادلة الصفرية بين الطرفين، وعند موازنة الأمر سياسياً فمن غير المرجح أن يحسم أي من الطرفين الصراع لصالحه، كما أن الصدر يبدو أكثر قوة من قوى الإطار ويمتلك مرونة أكبر في إدارة الصراع ورغم ذلك فلا تنازلات تقدم من الاطار.
وطالما أن الثابت هو إجراء انتخابات مبكرة، فيمكن أن ترسم هذه المواقف مسارين للحل:
المسار الاول: هو إجراء الانتخابات وفق قانون جديد لا يعترض عليه الصدر ولكن بإدارة حكومة الكاظمي التي لم يرد في الدستور ما يحول دون صلاحياتها بإجراء الانتخابات، يحقق هذا المسار جزء مهم مما يريده الصدر من أجواء هادئة لإجراء الانتخابات، ويحقق ايضاً للاطار التنسيقي جزءاً مما يريده بتعديل القانون رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠.
المسار الثاني: الإبقاء على القانون رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠ وتشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات تقتصر على إجراء الانتخابات من دون أن يشمل ذلك أية تغييرات في هيكل السلطة التنفيذية على المستوى الأمني تحديداً، وهذا المسار يحقق أيضاً لكلا الطرفين جزءاً من مطالبهما.
على أن يكون هذين المسارين بحوار سياسي ضامن وملزم من بعثة يونامي على تنفيذ كل ما يرد فيه من مخرجات، فمن غير المتوقع على مستوى الاطار التنسيقي أن يفرض الأمر الواقع ويحقق كلا مطلبيه.
بمعنى أن تكون بعثة يونامي طرفاً ضامناً للاتفاق على قانون انتخابات جديد او تشكيل حكومة جديدة يجتمع مجلس النواب فقط لتنفيذ احدهما، خصوصاً ان بعثة يونامي اقرت في وقت سابق بعمق الازمة ولكنها ليست عصية على الحل.
فرص الاستجابة ضئيلة.
قد يكون البحث عن حلول اكاديمية ممكناً طالما كانت المصلحة الوطنية للبلاد هي البوصلة التي تحدد اتجاهات الحل، إلا أن تطبق ذلك على أرض الواقع يصطدم بإصرار أطراف الإطار التنسيقي على فرض الأمر الواقع، خصوصاً أنها تعد أي تراجع بمثابة انكسار حتى لو كان ذلك لصالح الامن الوطني للبلاد، فضلاً عن ذلك وحتى لو توفرت إمكانية تطبيق هذه المسارات تبقى مسألة الإقرار لمخرجات الحلول والاعتراف بها قضية جدلية في سلوك الاطار التنسيقي، مما يجعل من هذه القوى العقدة التي تقف في طريق بناء الدولة وخفض الصراع السياسي قبل أن يصل لحدود المواجهة المسلحة.
وتبقى أزمة الثقة التي أصبحت سمة بارزة لأداء قوى الإطار التنسيقي هي العائق الأكبر لتطبيق الحلول المتوفرة، فما لم تركز هذه القوى جهودها نحو بناء الثقة بها فلن تتمكن من تحقيق أي شيء مما تريد، بل على العكس من ذلك سيزيدها ذلك عزلة أكثر وصولاً الى نهاية أي دور سياسي لها في المستقبل القريب.