العراق: لا شرقية ولا غربية…. ولا ضاحية جنوبية

محمد السلطاني:

على نحو متزامن، كثفت وسائل إعلام قريبة من الفصائل الموالية لإيران، نشر تقارير منقولة عن وسائل إعلام غير عراقية، تتحدث عن “دور حاسم” لعبه زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله في إقناع مقتدى الصدر بسحب أنصاره المعتصمين في البرلمان العراقي منذ مطلع آب (أغسطس)، لكن القيادات السياسية في بغداد والنجف تتحدث عن قصة أخرى، فيما لا تظهر ملامح أي نتائج للوساطة المفترضة على الأرض.

لا يمكن الجزم حتى الآن بوجود صفقة خلف قرار الصدر سحب أنصاره، فضلاً عن وجود دور لطرف خارجي، لاسيما الوساطة المزعومة لنصر الله، لكن ضخامة حدث الانسحاب ربما أغرت مقربين من الحزب اللبناني بإدعاء هذا الدور الإقليمي العابر للمحلية، وهو ما قد يكون مألوفاً لدى الأحزاب التي تواجه ضغوطا داخلية، وتبحث عن “انجازات” تمنحها بعض الثقة.

القدر المتيقن من المعلومات الشحيحة، هو أن الحنانة، مقر إقامة الصدر، تتلقى بالفعل منذ 9 أشهر سيلاً من الاتصالات والوساطات المعلنة وغير المعلنة، ومن بينها اتصالات من ضاحية بيروت الجنوبية، وطهران وغيرهما، إلى جانب الوساطات المحلية، لكن ذلك كله لم يسفر عن شيء.

يقول الصدريون إن طريقة الحكم المستمرة منذ عقدين يجب أن تنتهي، فيما يرد خصومهم المقربون من إيران، بتقديم مرشح لتشكيل حكومة ائتلافية تضم جميع الفصائل بمالها وسلاحها وملفات فسادها واغتيالاتها، ويطالبون بفرصة أخرى، ويحذرون من أن إقصاءهم سيقود إلى “حرب شيعية شيعية”.

لا يشرح الصدر الآلية التي يقترحها لإقصاء “الأحزاب الفاسدة”، كما لا يوضح الإطاريون سبب اعتقادهم أن حكومتهم السابعة ستكون مختلفة.

“لا شرقية ولا غربية ولا ضاحية جنوبية”

تعليقاً على شائعة “وساطة نصر الله التي أوقفت الحرب الشيعية” كما عنونت منصات كثيرة، ينفي مسؤول في التيار الصدري وجود أي صفقة أو تفاهم خلف قرار الصدر سحب أنصاره من البرلمان وإيقاف التظاهرات.

يضيف المسؤول البارز: “أستطيع تأكيد وجود اتصالات مستمرة داخلية وخارجية منذ ما يقرب العام، هذا ما يمكن تأكيده، لا يمكننا تأكيد أن مكتب الصدر وافق على مبادرة، أو حتى تلقاها، كما لا يمكننا تأكيد أنه رفع السماعة، أما بشأن العلاقة مع حزب الله، وأمينه العام السيد حسن نصر الله، فهي علاقة قديمة ومستمرة، لكن الوساطات تصدر عادةً من أطراف محايدة، وليست من داخل معسكر أحد الخصمين، كما أن الصدر رفض سابقاً تدخل شخصيات بوزن قائد فيلق القدس اسماعيل قآني، وهو مصرّ على أن تكون الحلول عراقية وطنية، لا شرقية ولا غربية”، في إشارة إلى الشعار الذي يكرره الصدر.

النجف.. الصمت والتدخل

من جهة أخرى، تتناقل شخصيات موالية للمرجع علي السيستاني، أنباءَ عن دور لعبته النجف في إيقاف الاشتباك المسلح بين الصدريين والفصائل التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، والذي تفجر بعد مقتل أكثر من 15 متظاهراً صدرياً،  يتهم الصدريون الفصائل بالوقوف خلف مقتلهم.

تقول أوساط الصدريين إن “السيستاني يقر كل خطوات الصدر الثورية والإصلاحية ضد الفساد، بدلالة صمت المرجع وعدم اعتراضه”.

وكما أن حساسيةً وتوتراً تاريخياً يشوبان العلاقة بين الصدر والسيستاني، إلا أنه يمكن قول الكثير عن التناغم والتقارب المتصاعد بين الرجلين، لكن الاحتجاج بالصمت لا يبدو دليلاً يُعتدّ به، لأن السيستاني يصمت منذ سنين عن قضايا كثيرة وخطيرة، ويختار توقيت تدخله وفق معادلة يصعب التعرف الى قواعدها.

رغم هذا، فإن من المفهوم  أن يحذر السيستاني قبل إصدار أي موقف يدين الصدر، أو يضعف موقفه أمام خصومه في الفصائل الولائية، لما سيعنيه هذا من إنعاش لحلفاء إيران، الذين قال مرجعهم “المعتزل” كاظم الحائري قبل ساعات أنه يوصي أتباعه بتقليد الخامنئي، في تحدٍ صارخ لمرجعية النجف.

وإلى جانب ذلك، فإن آخر ما ينقص القاعدة الصدرية المُستفزّة بعد إفشال مشروعها وسفك دماء أنصارها، هو موقف منحاز من مرجعية السيستاني يخرق التوازن الهش بين الطرفين.

ووفقاً لمعطيات المشهد المتشابك، فإن المعلومات عن تواصل بين منزل السيستاني والصدر وتعهد الأول دعم مطلب الثاني بإجراء انتخابات مبكرة مقابل إخلاء المنطقة الخضراء من المعتصمين الصدريين، تبدو أكثر قرباً من الواقع.

وساطة نصر الله.. لا خبر ولا أثر

ورغم الضجة التي أثارتها وسائل إعلام ولائية احتفاءً بـ”مبادرة نصر الله” إلا أن أياً من أطراف النزاع لم يؤكدها رسمياً، لا من طرف الصدريين، ولا من الولائيين، ولا حتى “حزب الله”.

وبعيداً عن المعلومات حول الوساطة، فإن الاقتتال المستمر بين الطرفين يضرب شائعة موافقة الصدر على “صفقة نصر الله” عرض الجدار، فقد قضت محافظة البصرة أمس واحدة من أعنف لياليها إذ أعلن التيار الصدري سقوط عدد من قياداته الميدانيين، متهماً جماعة “عصائب أهل الحق” بتنفيذ تلك الاغتيالات، فيما يؤكد “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي أنه لم يتم الاتفاق على أي هدنة مع الصدريين.

ولا تبدو الأزمة بين الصدريين وحلفاء إيران أكبر من إمكانات “حزب الله” وأمينه العام فحسب، بل حتى أكبر من الوساطات الدولية والأممية التي فشلت في العثور على حل للمعضلة، فالتيار الصدري يطالب بحل البرلمان الحالي وتحديد موعد لانتخابات مبكرة، وهو ما يعني استمراراً لولاية مصطفى الكاظمي الذي يعتبره الولائيون حليفاً للصدر، ولا يتحلى بالحياد المطلوب لقيادة مرحلة انتقالية بين متخاصمين.

أما الإطار التنسيقي، فيشترط تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني، المقرب من نوري المالكي، تتولى تنظيم الانتخابات الجديدة، وهو ما يعتقد الصدريون أنه سيناريو مخاتل، سيمرره الولائيون، ثم يستفيدون من الوفرة المالية المتوقعة نظراً الى ارتفاع أسعار النفط، من أجل شراء الولاءات وتوزيع الهبات وهي السياسة التي أتقنها المالكي طيلة سنوات حكمه.

مع هذا، تبقى الأنظار متجهة إلى المحكمة الاتحادية الدستورية العليا، التي تنظر نهاية الأسبوع المقبل في دعوى حل البرلمان، إلا أنه يبقى أحد الحلول المشكوك في مرورها، بسبب تأكيد كثير من الخبراء القانونيين، أن حل البرلمان ليس ضمن صلاحيات المحكمة.

*(النهار العربي)