▪️يحيى الكبيسي/
ظلت شبهة تواطؤ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، المعروفة اختصارا بـ «يونامي» مع توجهات الطبقة السياسية المتنفذة في العراق خلال السنوات الماضية، لكن ومع بداية هذا العام، تغيرت لغة الخطاب هذه، وبدأت يونامي تدريجيا تتخلى عن دور شاهد الزور، ففي 24 شباط/ فبراير 2022 قدمت جنين هينيس ـ بلاسخارت، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، الإحاطة الدورية ليونامي الى مجلس الأمن. نقلت فيها للمرة الأولى، تساؤل «الكثير» من العراقيين حول ما «إذا ما كانت المصلحة الوطنية هي بالفعل «الشغل الشاغل» للمفاوضات الجارية ـ بدلاً من الحصول على الموارد والسلطة أو كيفية تقاسم كعكة التعيينات السياسية والوزارات؟»، وأن العراق لا يشهد مستوى أقل فسادا عن الأعوام التي سبقته، مؤكدة أنها ما زالت تفكر من منظور «نصف الكوب الممتلئ»!
في الإحاطة اللاحقة التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 17 أيار/ مايو 2022 أخبرت بلاسخارت مجلس الأمن أنهم إذا قاموا بزيارة «لأي من الأسواق سيخبركم العراقيون: إن المصلحة الوطنية -هذه المرة أيضاً- تتراجع لصالح الاعتبارات القصيرة النظر والرامية للسيطرة على الموارد ولعبة السلطة». وأن «العراق ليس بحاجة الى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماءً»! كما تحدثت عن الفساد المستشري وظاهرة الفئوية والنهب لمؤسسات الدولة، وظاهرة الإفلات من العقاب وغياب المساءلة!
في الإحاطة الأخيرة التي قدمتها بلاسخارت إلى مجلس الامن يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بدا واضحا أنها بدأت تعتمد منظور كوب الماء الممتلئ كاملا وليس نصفه فقط! فتحدثت عن مؤيدي الأحزاب السياسية من المسلحين قائلة (هؤلاء المسلحون الذين لم تكن تراهم مطلقا من قبل!)، وعن اخفاق الطبقة السياسية في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، وعن البلد الذي على حافة الهاوية، وعن الفساد الذي أصبح «سمة أساسية للاقتصاد السياسي العراقي الحالي، وهو متغلغل في المعاملات اليومية»، وعن الاعتماد «على المحسوبية والمحاباة وما نتج عنه من قطاع عام متضخم وغير فعّال، ويعمل كأداة للخدمات السياسية أكثر من كونه أداة لخدمة الشعب»، وعن تآمر المصالح الخاصة والحزبية لتحويل الموارد بعيداً عن الاستثمار المهم في التنمية الوطنية، ووصولا إلى الإقرار بأن «النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعملان بنشاط ضدها»، وعن الفساد المستشري الذي يعد «سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق، لتنتهي إلى أن «إبقاء النظام (كما هو) سوف يرتد بنتائج سلبية عاجلاً وليس آجلاً»، لذا من المهم صياغة النظام، وليس مجموعة من الأفراد أو سلسلة من الأحداث» كما قالت!
لا يمكن فصل هذا التحول في خطاب يونامي عن طبيعة التحولات التي تحكم وجهة النظر الأمريكية تحديدا بشأن العراق. مع أنه من المبكر الجزم بالقول إن ثمة قرارا نهائيا لوقف التواطؤ الدولي في مسألة التغطية على ما يجري في العراق، تحديدا فيما يتعلق بفشل النظام السياسي الزبائني، وفساد الطبقة السياسية برمتها، ومن المبكر أيضا الجزم بالقول إن بعثة الأمم المتحدة في العراق قد تخلت تماما عن كونها شاهد زور في العراق، فقد يكون الأمر مجرد ضغط سياسي عبر هذه التهديدات المبطنة لإيجاد مخرج للأزمة القائمة، ثم يعود الجميع إلى أدوارهم!