▪️وصل العراق إلى مرحلة سياسية حرجة في الأسابيع الماضية، بعد سلسلة من التصعيد المتبادل بين الفصائل الشيعية في البلاد، بلغت ذروتها مع اعتصام أنصار مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي النافذ، وحصارهم لمبنى البرلمان وإعاقة انعقاد جلسات مجلس النواب لمنع انتخاب الرئيس ومجلس الوزراء الجدد. ورغم نجاح العراق في النهاية في انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة برئاسة شياع السوداني نالت ثقة البرلمان، فمن المرجَّح أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة في ظل استبعادها للتيار الصدري. وفي هذا الصدد، أعدَّ محمد بَزِّي، مدير مركز “هاكوب كيفوركيان” لدراسات الشرق الأدنى وأستاذ الصحافة المساعد في جامعة نيويورك، تحليلا نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، يتناول فيه مشهد الجمود السياسي في العراق، ويُركِّز على قرارات الصدر وموقفه، مُستعرِضا الحلول المحتملة لخروج العراق من هذه الأزمة.
في 29 أغسطس/آب، أعلن رجل الدين الشيعي العراقي “مقتدى الصدر” انسحابه من الساحة السياسية بعد شهور من المحاولات الفاشلة لتشكيل حكومة جديدة، مما دفع آلافا من مؤيدي الزعيم القومي، الذي برز باعتباره خصما قويا للميليشيات المدعومة من إيران في العراق، إلى النزول إلى الشوارع والتعبير عن غضبهم، فاشتبكوا مع قوات الأمن العراقية، واخترقوا الحواجز الخرسانية حول المنطقة الخضراء في بغداد (منطقة تضم مقرات السفارات الأجنبية بما فيها الأميركية)، واقتحموا في النهاية مقر الحكومة. وبعد مقتل العشرات، ظهر الصدر في خطاب تلفزيوني ووجَّه تعليمات لأنصاره بالعودة إلى منازلهم، للتخفيف من الأزمة السياسية التي شلَّت الحكومة الانتقالية في العراق طيلة أشهر.
واجه النظام السياسي العراقي حالة من الجمود منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حينما أجرت البلاد انتخاباتها التشريعية الخامسة منذ الغزو الأميركي عام 2003. فقد حصد تحالف الصدر أغلبية المقاعد، بينما لم تُفلح كتلته أو غيرها من الكتل السياسية في تشكيل حكومة (في مُنتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كُلِّف مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، ونالت حكومته ثقة البرلمان قبل أيام، لينتهي بذلك جمود سياسي استمر أكثر من عام)*. ولم تتجلَّ الأزمة بين طوائف متخاصمة أو جماعات عِرقية، وإنما داخل المجتمع الشيعي نفسه، أكبر المجتمعات العراقية من حيث العدد، حيث انقسم حول علاقة بلاده مع إيران. ويرى تيار الصدر، الذي كان زعيمه حليفا مقرَّبا من طهران يوما ما، أن على بغداد النأي بنفسها عن القوى الأجنبية كلها، بما فيها إيران، بينما تُفضِّل فصائل أخرى البقاء في تقارب وثيق مع جارتهم القوية.
رغم أن الصدر يزعم اعتزاله للحياة السياسية، فإنه على الأرجح عمل على استغلال أوضاع “حافة الهاوية” والتظاهرات الأخيرة في الشارع لتكون له اليد العليا على خصومه. وقد صرَّح الصدر مرارا في الماضي بمثل هذه التصريحات لكنه لم ينسحب قط من الساحة السياسية، إذ يسعى الرجل إلى تنصيب نفسه صانع القوة السياسية الشيعي الأوحد بلا منازع، والسيطرة على نظام التقاسم الطائفي للسلطة الذي بدأ تطبيقه بعد فترة وجيزة من إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ويُصوِّر الصدر لعبته للوصول إلى السلطة على أنها حملة ضد فساد الطبقة السياسية التي تدين بالولاء لإيران وغيرها من القوى الأجنبية، لكن رهانه يُشكِّل خطرا آخر على الدولة العراقية الهشة، فقد لا تستولي على بغداد الفصائل السياسية المدعومة من إيران، بل رجل دين إسلامي شيعي تزعَّم في الماضي واحدة من أكثر الميليشيات العراقية إثارة للرعب. ولعل ذلك يُعَدُّ ضربا من الخيال في ظل احتجاجات أنصار الصدر الفاشلة، ولكن بوصفه وريثا لإحدى أشهر العائلات الدينية الشيعية في العالم، أظهر الصدر براعة استثنائية في توظيف نَسَبَه الديني في تعزيز قوته السياسية. ولذلك، فعلى خصومه التفكير مرتين قبل إسقاطه تماما من حساباتهم.
يُجسِّد الصدر رمزا للجماعة الشيعية القومية في العراق. وبينما يتجنَّب آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، وغيره من كبار رجال الدين الشيعة، الانخراط في الحياة السياسية، فإنهم بذلك خلَّفوا فراغا في القوة السياسية داخل المجتمع الشيعي، وهو الفراغ الذي عمل الصدر طيلة عقدين لملئه.
برز الصدر، رجل الدين المغمور والمندفع حينئذ، للمرة الأولى عام 2003 في النجف، معقل الطائفة الشيعية في العراق، وواصل صعوده حتى أصبح أحد أكثر أعداء واشنطن إثارة للإزعاج في العراق. وقد قاتلت ميليشياته، المعروفة باسم “جيش المهدي”، ضد القوات الأميركية طيلة سنوات، وقتلت المئات من الجنود الأميركيين. وسعى الصدر منذ البداية إلى الجمع بين النفوذ السياسي والسلطة الدينية، رغم عدم حصوله على ما يكفي من المؤهلات الدينية، وقلة سنوات دراسته على يد كبار علماء الدين، وهي خطوة ضرورية للحصول على لقب “آية الله”. وبدون مثل هذه المؤهلات، لا يمكن للصدر إصدار فتاوى دينية أو أن يكون “مرجع تقليد” للعوام من الشيعة الذين يجب عليهم اختيار “مرجع تقليد” من بين علماء الدين. ولكن باعتباره الابن الوحيد الناجي من أبناء آية الله العظمى محمد صادق الصدر، عالِم الدين الشيعي البارز الذي عارض النظام البعثي علنا حتى اغتيل عام 1999، فقد استطاع الصدر الابن اتباع خُطى والده ليكون زعيما سياسيا للتيار الصدري.
منذ الغزو الأميركي للبلاد، بات الصدر الزعيم العراقي الأبرع في استكشاف نقاط الالتقاء بين السياسة والسلطة الدينية، وهي حقيقة تُفسِّر مناورته السياسية الأخيرة. لقد امتدت الأزمة السياسية الأخيرة في العراق نحو عام تقريبا، ومع ذلك لم يبادر الصدر بإشعال تظاهرات شعبية “دموية” إلا حينما واجه تهديدا يتجاوز السياسة، أي تهديدا لشرعيته الدينية. فقبل يوم واحد من إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي، كان آية الله العظمى كاظم الحائري، عالِم الدين العراقي المُسِن المقيم في إيران الذي طالما لعب دور المرشد الروحاني للكثير من أعضاء التيار الصدري، قد أعلن تنحِّيه عن الشأن العام لأسباب صحية.
يُجسِّد الصدر رمزا للجماعة الشيعية القومية في العراق. وبينما يتجنَّب آية الله العظمى علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق، وغيره من كبار رجال الدين الشيعة، الانخراط في الحياة السياسية، فإنهم بذلك خلَّفوا فراغا في القوة السياسية داخل المجتمع الشيعي، وهو الفراغ الذي عمل الصدر طيلة عقدين لملئه.
برز الصدر، رجل الدين المغمور والمندفع حينئذ، للمرة الأولى عام 2003 في النجف، معقل الطائفة الشيعية في العراق، وواصل صعوده حتى أصبح أحد أكثر أعداء واشنطن إثارة للإزعاج في العراق. وقد قاتلت ميليشياته، المعروفة باسم “جيش المهدي”، ضد القوات الأميركية طيلة سنوات، وقتلت المئات من الجنود الأميركيين. وسعى الصدر منذ البداية إلى الجمع بين النفوذ السياسي والسلطة الدينية، رغم عدم حصوله على ما يكفي من المؤهلات الدينية، وقلة سنوات دراسته على يد كبار علماء الدين، وهي خطوة ضرورية للحصول على لقب “آية الله”. وبدون مثل هذه المؤهلات، لا يمكن للصدر إصدار فتاوى دينية أو أن يكون “مرجع تقليد” للعوام من الشيعة الذين يجب عليهم اختيار “مرجع تقليد” من بين علماء الدين. ولكن باعتباره الابن الوحيد الناجي من أبناء آية الله العظمى محمد صادق الصدر، عالِم الدين الشيعي البارز الذي عارض النظام البعثي علنا حتى اغتيل عام 1999، فقد استطاع الصدر الابن اتباع خُطى والده ليكون زعيما سياسيا للتيار الصدري.
منذ الغزو الأميركي للبلاد، بات الصدر الزعيم العراقي الأبرع في استكشاف نقاط الالتقاء بين السياسة والسلطة الدينية، وهي حقيقة تُفسِّر مناورته السياسية الأخيرة. لقد امتدت الأزمة السياسية الأخيرة في العراق نحو عام تقريبا، ومع ذلك لم يبادر الصدر بإشعال تظاهرات شعبية “دموية” إلا حينما واجه تهديدا يتجاوز السياسة، أي تهديدا لشرعيته الدينية. فقبل يوم واحد من إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي، كان آية الله العظمى كاظم الحائري، عالِم الدين العراقي المُسِن المقيم في إيران الذي طالما لعب دور المرشد الروحاني للكثير من أعضاء التيار الصدري، قد أعلن تنحِّيه عن الشأن العام لأسباب صحية.
تنبع الأزمة السياسية الأخيرة في العراق من فشل الصدر في تشكيل حكومة بعد فوزه بأكبر عدد من المقاعد في برلمان البلاد البالغ عدد مقاعده 329 مقعدا. ولطالما أعادت الفصائل الشيعية اندماجها بعد الانتخابات -غالبا بمساعدة من إيران- لتشكيل كتلة ضخمة وتوزيع الحقائب الوزارية الكبرى في الحكومة فيما بينها، ثم استدعت الأحزاب السنية والكردية في نهاية المطاف. ولكن في ظل حصوله على دعم 73 نائبا تشريعيا فقط، حاول الصدر تشكيل حكومة ائتلافية مع الفصائل السنية والكردية واستبعاد خصومه من الشيعة. ولو أن الصدر نجح في ذلك، لزعم أنصاره بأنه انقلب على نظام تقاسم السلطة ذي الأساس العِرقي والطائفي (نظام المُحاصَصَة) الذي لا يحظى بقبول شعبي وفرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون بعد الغزو. بيد أن الصدر في الحقيقة يحاول إخضاع هذا النظام لسيطرته، وليس القضاء عليه.
يُبغض الصدر التحالف مع نوري المالكي على نحو خاص، إذ حصدت كتلة الأخير 33 مقعدا في انتخابات العام الماضي، وهو ثاني أكبر عدد مقاعد بين الفصائل الشيعية بعد التيار الصدري. وكان المالكي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامَيْ 2006-2014، مسؤولا عن الكثير من السياسات الكارثية التي استبعدت السُّنة، وأضعفت قوات الأمن العراقية، وسمحت لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالاستيلاء على ثلث البلاد تقريبا. لكن خصومة الصدر مع رئيس الوزراء السابق لا يقتصر سببها على سجل المالكي، بل هي خصومة شخصية، ففي عام 2008، أصدر المالكي بدعم من المسؤولين الأميركيين أوامر لقوات الأمن العراقية بقتال ميليشا الصدر في جنوب العراق. ولم يَصفح الزعيم الديني عن المالكي لتدمير حركته في ذروة الحرب الأهلية العراقية آنذاك.
صُمِّم نظام المحاصصة على غرار النموذج اللبناني الفاشل الآن، حيث سعى إلى ضمان حقوق الأقليات الدينية، لكن انتهى به المطاف لخلق بيئة خصبة لتفشي الفساد، وعدم الاستقرار السياسي، والانهيار الاقتصادي. وفي ظل النموذج العراقي، يلزم أن يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس البرلمان سُنيا، والرئيس (منصب شرفي إلى حدٍّ كبير) كرديا. ويمتد هذا النظام ليشمل معظم مستويات الحكومة والوظائف العامة. وبعد كل انتخابات تشريعية؛ تتقاسم الأحزاب الطائفية الوزارات، مما يتسبب في تأخير تشكيل مجلس الوزراء، نظرا للتنافس فيما بينهم على الوزارات التي لديها التعاقدات الحكومية الأعلى ربحا وغيرها من مصادر المحسوبية. ولذا، زاد عدد الموظفين الحكوميين في العراق إلى ثلاثة أمثاله منذ عام 2004، وارتفع حاليا إنفاق الحكومة على الرواتب بنسبة 400% مقارنة بما كانت تنفقه آنذاك. وفي عام 2020، أنفقت ثلاثة أرباع موازنة العراق على دفع رواتب ومعاشات ذلك القطاع العام المتضخم.
تستفيد أغلبية الأحزاب والفصائل العراقية التي صعدت إلى السلطة بعد عام 2003 من هذا النظام القائم على تقاسم القوة السياسية وغنائمها الاقتصادية في العراق، كما أنها تقاوم إلغاءه، حتى وهي تتسبَّب بنفسها في دفع بلادها الغنية بالنفط نحو الفشل المالي والعجز عن توفير الكهرباء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الأساسية للشعب العراقي. هذا ويستفيد التيار الصدري وحلفاؤه أيضا من النظام الحالي، رغم الجهود القصوى التي بذلها الصدر في تصوير نفسه باعتباره إصلاحيا، إذ تنشأ سلطة الرجل عن خليط من الجاذبية الدينية والشعبوية بالإضافة إلى ثمار المحسوبية والرعاية من الدولة. وعلى غرار أعضاء آخرين في صفوف النخبة العراقية، استطاع الصدر المناورة لتعيين معاونين وأنصار له في المناصب المرموقة بالحكومة، ومن ثمَّ فإن أيَّ إصلاح جذري لن يخدم مصالح الصدر، ولذا فهو لا يسعى إلى إلغاء نظام المحاصصة، بل يُفضِّل تنصيب نفسه على رأسه صانعا لقادته ليس إلا.
يُبغض الصدر التحالف مع نوري المالكي على نحو خاص، إذ حصدت كتلة الأخير 33 مقعدا في انتخابات العام الماضي، وهو ثاني أكبر عدد مقاعد بين الفصائل الشيعية بعد التيار الصدري. وكان المالكي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بين عامَيْ 2006-2014، مسؤولا عن الكثير من السياسات الكارثية التي استبعدت السُّنة، وأضعفت قوات الأمن العراقية، وسمحت لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالاستيلاء على ثلث البلاد تقريبا. لكن خصومة الصدر مع رئيس الوزراء السابق لا يقتصر سببها على سجل المالكي، بل هي خصومة شخصية، ففي عام 2008، أصدر المالكي بدعم من المسؤولين الأميركيين أوامر لقوات الأمن العراقية بقتال ميليشا الصدر في جنوب العراق. ولم يَصفح الزعيم الديني عن المالكي لتدمير حركته في ذروة الحرب الأهلية العراقية آنذاك.
صُمِّم نظام المحاصصة على غرار النموذج اللبناني الفاشل الآن، حيث سعى إلى ضمان حقوق الأقليات الدينية، لكن انتهى به المطاف لخلق بيئة خصبة لتفشي الفساد، وعدم الاستقرار السياسي، والانهيار الاقتصادي. وفي ظل النموذج العراقي، يلزم أن يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس البرلمان سُنيا، والرئيس (منصب شرفي إلى حدٍّ كبير) كرديا. ويمتد هذا النظام ليشمل معظم مستويات الحكومة والوظائف العامة. وبعد كل انتخابات تشريعية؛ تتقاسم الأحزاب الطائفية الوزارات، مما يتسبب في تأخير تشكيل مجلس الوزراء، نظرا للتنافس فيما بينهم على الوزارات التي لديها التعاقدات الحكومية الأعلى ربحا وغيرها من مصادر المحسوبية. ولذا، زاد عدد الموظفين الحكوميين في العراق إلى ثلاثة أمثاله منذ عام 2004، وارتفع حاليا إنفاق الحكومة على الرواتب بنسبة 400% مقارنة بما كانت تنفقه آنذاك. وفي عام 2020، أنفقت ثلاثة أرباع موازنة العراق على دفع رواتب ومعاشات ذلك القطاع العام المتضخم.
تستفيد أغلبية الأحزاب والفصائل العراقية التي صعدت إلى السلطة بعد عام 2003 من هذا النظام القائم على تقاسم القوة السياسية وغنائمها الاقتصادية في العراق، كما أنها تقاوم إلغاءه، حتى وهي تتسبَّب بنفسها في دفع بلادها الغنية بالنفط نحو الفشل المالي والعجز عن توفير الكهرباء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وغيرها من الخدمات الأساسية للشعب العراقي. هذا ويستفيد التيار الصدري وحلفاؤه أيضا من النظام الحالي، رغم الجهود القصوى التي بذلها الصدر في تصوير نفسه باعتباره إصلاحيا، إذ تنشأ سلطة الرجل عن خليط من الجاذبية الدينية والشعبوية بالإضافة إلى ثمار المحسوبية والرعاية من الدولة. وعلى غرار أعضاء آخرين في صفوف النخبة العراقية، استطاع الصدر المناورة لتعيين معاونين وأنصار له في المناصب المرموقة بالحكومة، ومن ثمَّ فإن أيَّ إصلاح جذري لن يخدم مصالح الصدر، ولذا فهو لا يسعى إلى إلغاء نظام المحاصصة، بل يُفضِّل تنصيب نفسه على رأسه صانعا لقادته ليس إلا.
انتهى حصار الصدريين للبرلمان في 30 أغسطس/آب، بعد إصدار الصدر أوامر لأنصاره بإخلاء الشوارع لتجنُّب المزيد من العنف. وفي رده على طعن الحائري في شرعيته الدينية، قد يكون الصدر أساء تقدير الموقف من خلال التحريض على تظاهرات عنيفة، من دون خطة واضحة لكسر الجمود السياسي في العراق. ومع ذلك، يتمتع الصدر بالقدرة على التعافي من الانتكاسات السياسية والنهوض مجددا ربما بقوة أكبر. ورغم أنه اشتهر بكونه زعيما سريع الغضب وغريب الأطوار، فقد لعب الصدر لعبة نَفَس طويل، إذ صمد إلى ما بعد الاحتلال الأميركي واستمر لفترة أطول من بعض رجال الدين المُسنِّين في النجف، وبنى حركة اجتماعية وسياسية ضخمة يمكنها الإدلاء بأصواتها واستغلال نظام المحسوبية الفاسد في البلاد لصالحها. كما أظهر الصدر، طيلة سنوات، حنكة سياسية أكبر مما توقعته الولايات المتحدة وخصومه العراقيون، وتفوق عليهم مرارا.
حتى الآن، أخفق الصدر في حملته لاحتواء النفوذ الإيراني، وإضعاف الفصائل الشيعية الأخرى في العراق، وبسط السيطرة على ترتيب تقاسم السلطة في البلاد. ويبقى السؤال الآن بعد تشكيل الحكومة الجديدة: هل سيحاول خصوم الصدر استبعاده بالكامل -والمخاطرة بإشعال حلقة جديدة من إراقة الدماء- أم سيحاولون احتواء تياره والتوصل إلى تسوية (ربما تتضمن إجراء انتخابات مبكرة بعد عام واحد كما تعهَّد رئيس الحكومة الجديد)* ومن ثمَّ إرجاء تحقيق طموحه الأكبر في أن يكون الزعيم الشيعي الأقوى في العراق؟