أيهّما أولّى السجن أم إستعادة إموال «سرقة القرن» وتوابعها

د. محمد السامرائي

«خبير قانوني»

▪️في بعض دول العالم وعند التحولات والاضطرابات المالية ، قد تحصل حالات اعسار وافلاس لبعض رجال الاعمال والتجار ،وتتراكم عليهم الديون فيضطرون للهرب خارج بلدانهم خوفا من المسئولية المدنيه والجزائية.

فتلجأ بعض الحكومات لعقد اتفاقيات وتسويات معهم لعودتهم لمحاولة معاودة اعمالهم من جديد في سبيل استعادة بعض الديون منهم سواء كانت لبنوك او افراد او ديون حكومية والتي تعتبر استعادتها ربما شبه مستحيلة.

وهنا لانتكلم عن سراق للمال العام او مجرمين بل عن تجار ومستثمرين عصفت بهم الظروف الماليه العامه او الخاصة المتعلقه بالفشل او سوء الاداره وغيرها.

لكن عندما تكون الاموال العامه مسروقة ومخفيه او مهربة قد يتم معاقبة المجرمين وتبذل الدولة جهودها اللازمة في الحجز على ماموجود عسى ان تسترجع جزء منها ، بموجب احكام قضائية تبعية لاحكام السجن وتساعدها النصوص القانونيه التي تمنع اطلاق سراح المحكومين ،بعد انتهاء مدة محكوميتهم الا بعد سداد الاموال المسروقة ،وهذا كان معمول به في العراق قبل ان يتم الغاء قرار مجلس قيادة الثورة المنحل.

او ان تشترط احكام العفو العام تسديد قيمة الضرر بالمال العام كشرط للشمول بالعفو من العقاب وهذا طبق في قانون العفو الاخير لعام ٢٠١٦ المعدل في عام ٢٠١٨ .

وهنا نحن نتعامل مع مجرمين سرقوا اموال الدولة كما في حالة (سرقة القرن) والسرقات الكبرى التي تسعى الحكومة لكشفها خلال هذه الفترة والتي افرحت الشعب وإن كنّا نسمع اخبارا واشاعات عن وجود عروض لعقد تسويات مع المجرمين لاعادة مايمكن منها!

والسؤال هنا هل المصلحة العامه تقتضي اعادة الاموال والعفو عن المجرمين ؟

هل يمكن ان يتساوى حكم القانون ومبدأ التسويات بين حالة التجار وحالة المجرمين ؟

لان الامر مختلف تماما ،لاننا امام تطبيق اهم مبدا في القانون الجنائي والغاية من العقوبة التي تتمثل في الردع لتلافي التشجيع على الاجرام وسرقة المال العام مادامت النهاية تكون تسويات مع مجرمين؟

معادلة خطرة جدا قد تدفع الى تطبيقها بعض الاطراف بحجة استعادة اموال مسروقة بصفقات لاتخلو ربما من فساد اخر كشرط لعقد التسويات ؟ بالاضافة الى قصر نظر متبنّيها على المستوى والمنظور البعيد لاننا نتكلم عن دولة وقانون يجب ان يطبق.

وهنا يثار سؤال اخر، هل الدولة مستعدة حقيقة لمحاربة الفساد وقلع جذوره في الوقت الحاضر ؟

نقول من منظور رجال الدولة ومن منطلق حكم القانون وتطبيقه لضمان تحقيق العدالة الجنائية اولا ،والقضاء على الفساد ثانيا ،والشروع بمرحلة البناء التي تتوقف على انهاء الفساد او ايقافه كمرحلة اولى، يجب عدم الولوج في طريق التسويات ولاتفاوض مع الاجرام والمجرمين تطبيقا لمبدأ وغاية الردع وعدم التشجيع على سرقة المال العام والفساد ، لان الخسارة ستكون اكبر وسيتمر الاجرام والفساد ، وبالتالي ستكون خسارة الدولة والمجتمع كبيرة جدا، مالم تتخذ الدولة قرارا سياسيا تنفذه الحكومة ويدعمه والبرلمان ويحمي بموجبه القضاء ويسانده الشعب ،قرارا حاسما في عدم التراجع ابدا في مسيرة مكافحة الفساد، واستعادة ماتم سرقته وفقا لاحكام القانون وبدون تسويات. لان فرض القانون ومعاقبة المجرمين اولى من استعادة المال المسروق بتسويات قد تكون سببا لسرقات اخرى وكوارث اكبر.