الدولار .. الداء والدواء

الخبير القانوني: د.محمد السامرائي

الاعتماد على الدولار كعملة عالمية في التعاملات الدوليه ،في اطار التجارة الدولية ،وفي اطار التعاملات الداخليه في البلدان يحتم على الدول التي تبتغي تقوية عملتها الوطنية ان تمارس عملية توازن بين الالتزامات الدولية وبين الاستحقاقات الداخلية.

الدولار الوارد الى السوق الاقتصادية للدولة ، والدولار الداخل ضمن خزينة الدولة عنصر مهم في تقوية اقتصادها فتحافظ عليه وعلى اسعار صرفه في الداخل قياسا للعملة الوطنية ، بشرط ان تضع الدولة نصب اعينها تقوية العملة الوطنية ودعمها ورفع قيمتها تجاه الدولار بقدر ماتستطيع.

وعادة ماتحدد البنوك المركزية للدول سعر الصرف وتحافظ على ثباته لغايات استقرار التعاملات المالية والتجارية والاقتصادية بصورة عامة، مع تحديد هامش ربحي او نسبة ربح كفرق بين سعر الشراء والبيع ووضع عقوبات صارمة بحق البنوك وشركات الصيرفة والتحويل ، اذا ماخالفت التعليمات والسعر المحدد للبيع وشراء الدولار وفي ذلك مصلحة عامة يتم الحرص على تحقيقها من قبل الجميع.

فعندما حدد البنك المركزي العراقي سعر بيع الدولار عبر نافذة بيع العملة يكون لزاما على الجميع الالتزام بسعر البيع والشراء ويتم محاسبة المضاربين به، لاننا لسنا امام سلعة عادية حتى يطلق العنان للمضاربة.

عليه فان الحزمة الاولى التي اطلقها البنك المركزي لتنظيم التعامل بعملة الدولار صحيحة جدا بالرغم من انها جاءت متأخرة جدا ،في نفس الوقت فقد كانت السنوات الماضية متاحة للتحكم بسعر الصرف من قبل المضاربين وليس البنك المركزي ، عندما كانوا ولازالوا يضيفون ويستحصلون هامش ربحي مغالى فيه كثيرا ويقابلة سكوت مريب من قبل الجهات المختصة.

ومن جهة اخرى لم تكن هنالك آليات واضحة وحازمة لمراقبة خروج الدولار لاغراض الاستيراد وكذلك عدم تدقيق المستندات والوثائق التي على اساسها يتم شراء الدولار واخراجه خارج البلد.

وهنا كان تهريب عملة الدولار والتي تمثل رصيد الدوله من العملة الصعبة هو الطاغي على اغلب التحويلات النقدية الى الخارج، لان اي دولار يخرج ولايدخل مايقابله سلع وخدمات انما هو يمثل تهريب للدولار بشكل صريح،

فالدولار والتعامل به سلاح ذو حدين فيمكن ان يكون داء اذا أُسيء التعامل به ويكون في صورة دواء عندما يتم التعامل به وفق الاصول والقانون ويكون مفتاح لاستقرار اقتصاد الدولة.

صحيح ان استقرار اسعار صرف الدولار تجاه الدينار تحكمه امور داخليه وخارجية ، لكن هذا لايعني ان تهمل الدولة مراقبة وضمان التعاملات الماليه والاقتصاديه والنقدية الصحيحه في الداخل ورمي الكرة على الظروف الخارجية، بل يجب ان تكون الدولة حكومة وبنك مركزي وموسسات معنية على أُهبّة الاستعداد لاتخاذ الاجراءات السريعة في الاطار الوطني وفي الاطار الدولي ، الذي قد يتطلب تنفيذ اشتراطات وشروط معينة يجب تحقيقها للحفاظ على استقرار اسعار الصرف وقيمة العملة الوطنيه ، وهذا مايقوم به صندوق النقد الدولي من خلال توجيهاته المستمرة للدول وبنوكها المركزيه للعمل دائما على استقرار اسعار الصرف.

ونقولها وقلناها مرار ان البنك المركزي وحده لم ولن يستطيع المحافظة على الدولار وعلى استقرار اسعار صرفه ، بل هو واجب الدولة وبالخصوص الحكومة بكافة مؤسساتها ،والتي يجب ان تكون حريصة على عمل منظومة وحلقة متكامله بين البنك المركزي ودوائر الضريبة والكمارك والمنافذ الحدودية والاجهزة الامنية لمنع تهريب العملة الاجنبية ولضمان الاستخدام ، الامثل للعملة الصعبة التي تمثل رصيد الدولة وقوتها، وأهمية ضمان تشجيع الادخار في البنوك واتباع الاليات الصحيحه لاستحصال الضرائب والرسوم وضمان دخولها خزينة الدولة لتوفير الدينار العراقي ،لاغراض صرف الالتزامات اليوميه من رواتب واجور وغيرها لا ان يتم الاعتماد على مزاد العمله لتوفير الدينار لان في ذلك فهم وتطبيق خاطئ للدورة النقديه في السوق الماليه والاقتصادية.

وكل ذلك بحاجة الى قرارات حكومية سريعة وعاجلة وضمان حقيقي لتطبيقها بالشكل الصحيح على الجميع افرادا ومؤسسات حكومية وقطاع خاص بدون استثناء.