الباحثة رنا خالد : ‏السوداني وفكرة المدير

▪️كتبت الباحثة رنا خالد معلّقة على مقال رئيس الوزراء العراقيمحمد شياع السوداني الذي نشره اليوم في صحيفة (الشرق الاوسط) حول قمة جدة

الحقيقة ان السيد رئيس الوزراء حافظ على تقليد كتابة المقالات قبل الزيارات والمناسبات العربية والدولية الكبيرة وهي خطوة تحسب له لأنها تبين توجه الدولة وفكرها بطريقة مكتوبة وموثقة تطرح للرأي العام في الدولة مستضيفة.

ولكن ،المقال رغم ان نصفه الاول افضل من نصفه الثاني الا انه ايضاً يذكرنا بالفرق بين ( القائد) و( المدير).

القائد لديه رؤية عابرة للحظة والمكان لا سقف لديه للاهداف لذلك لغته وتعبيراته تتجاوز تفكير الافراد و تفكير الجمهور الى تفكير القادة لهذه الجماهير ولغة القادة خاصة تسمعها عبر المسافات فهي لغة افعال ملموسة هي التي تتحدث.

بينما المدير لديه اهداف محددة يمكن متابعتها وقياسها لذلك دائما يتحدث في استراتيجيات التنفيذ ونسب الانجاز وما تم تحقيقه في فترة ادارته للفريق ومشاريع ونوايا سوف تحدث وقد لا تحدث.

السيد محمد شياع السوداني هو مدير في هذه المقالة على الاقل ..في الربع الاول من المقال ذكَّرَ السوداني ( من التذكير) بالعواصف التي تهب على البلدان العربية وبقضية السودان وهي قضية الساعة.

اصاب السوداني في طرح هذا التساؤل ما هي واجبات الجامعة العربية عند اندلاع الأزمات؟

والحقيقة هو سؤال نطرحه جميعاً كشعوب في المنطقة العربية منذ سنوات طويلة ولا نجد له جواب مقنع وربما لن نجد .

اجاب السيد السوداني عن هذا السؤال بالقول: ‏(فعلى الجامعة أن تبادرَ إلى تفكيك الأزمات في بواكر أيامها ولا تدعُها تستمرُّ إلى نقطةِ اللاعودة)..

السيد السوداني هنا تركنا نحن الجمهور نترقب طرح رؤيته للطريقة التي يجب ان تجدد الجامعة العربية كمؤسسة للتكامل العربي لتفكيك الازمات وحل الخلافات وبناء الاواصر.

اسهب رئيس الوزراء العراقي في شرح دور العراق في الاتفاق السعوديالايراني والحقيق وساطة العراق التي تمت في حكومة الكاظمي ،لم تتم بالتنسيق مع الجامعة العربية بل تمت بالتنسيق مع دوائر صناعة القرار الاساسية في المنطقة.

اما اذا قصد السوداني بأن على الجامعة ان تقتدي بالطريقة العراقية فالواقع ان قرب صناع القرار من الدوائر الايرانية سهل هذه المهمة حيث ان صناع القرار العراقي هم ضمن دائرة نفوذ ايران وهو ما يجعلهم اكثر موثوقية لنقل الرسائل، ولكن ايران والسعودية اختاروا الصين ليكون الخاتم الموثوق والموثق الضامن للاتفاق ولم يختاروا لا العراق ولا الجامعة العربية.

اما عن عودة سوريا الى الجامعة العربية وعن ان العراق كان دائماً يدعم عودة سوريا الى الجامعة العربية ،الواقع ان السيد السوداني ربما نسي ان العراق في حكومة المالكي وتحديداً في ٢٠٠٩ كان الدولة العربية الاولى التي قدمت شكوى الى مجلس الامن الدولي لادانة النظام السوري لدعمه للارهاب في العراق .وعندما وتغيرت بوصلة علاقات القوة والنفوذ بين العراق (وايران والولايات المتحدة) لصالح كفة ايران عاد ،العراق لبناء علاقاته مع النظام السوري، وبالتالي العراق لم يكن مبدئيًا في مواقفه العربية بقدر تأثير فواعل القوة الاقليمية والدولية على قراره العربي .

عودة سوريا هي نتاج للجهود الدبلوماسية الحساسة التي افتتحتها ابو ظبي واستكملتها الرياض ولولا تلك الجهود للقفز فوق اعقد الخلافات العربية والتعلم من اخطاء الماضي العربي المؤلم لما عاد النظام السوري بكل سجالات الماضي القريب الى ان يكون عضوًا عربيًا يشارك في اصلاح اخطاء الماضي وبناء مستقبل ممكن ان يكون فيه امل لسلام مستدام في المنطقة .

نعود الى باقي المقال الذي يقترح على الجامعة العربية تفعيل اليات التكامل العربي والتي استهلها بـ عبارة ( منذ اليوم الأولِ لتسلّمنا المسؤولية) والتي تؤكد فكرة (المدير).

ويسطر لنا السيد السوداني خطط واجراءات حالية يقوم بها العراق مع الدول العربية وهي اجراءات لاتزال حبرًا على ورق ولم تتحول الى اجراءات عملية على ارض الواقع ،لذلك ربما كان السيد السوداني يقدم في مقاله هذا نصيحة للجامعة العربية بان تكون (مدير ) للتكامل العربي عبر تسطير مشاريع لم تنجز ووعود لم تتحقق واهداف انية واجراءات فورية ليس فيها رؤية ولا تقوى على الحلول الجذرية.

انها مقال من مدير الى مدير وليست مقال قيادة ..اليس كذلك!!